للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: درجات الحكمة]

الحكمة العملية لها ثلاث درجات:

الدرجة الأولى: ((أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعدِّيه حدّه، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخّره عنه)).

لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها، ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعدّاها، ولها أوقات لا تتقدّم عنها ولا تتأخّر، كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعه وقدره، ولا تتعدّى بها حدّها فتكون متعدياً مخالفاً للحكمة، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة، ولا تؤخرها عنه فتفوتها، وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعاً وقدراً، فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض، وتعدّي الحق كسقيها فوق حاجتها، بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد، وتعجيلها قبل وقتها كحصاده قبل إدراكه وكماله، وهذا يكون فعل ما ينبغي على الوجه الأكمل في الوقت المناسب (١).

الدرجة الثانية: معرفة عدل الله في وعيده، وإحسانه في وعده، وعدله في أحكامه الشرعية والكونية الجارية على الخلائق، فإنه لا ظلم فيها ولا فجور، قال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (٢)، وكذلك معرفة بِرِّه في منعه، فإنه سبحانه هو الجواد


(١) انظر: مدارج السالكين، ٢/ ٤٧٩.
(٢) سورة النساء، الآية: ٤٠، وانظر: مدارج السالكين، ٢/ ٤٨١.

<<  <   >  >>