لا يشك ذو مسكة عقل أن الصبر مرُّ المذاق، صعب على النفس البشرية لأنه يُعطِّلها عن مألوفاتها، ورغباتها، لذلك فلابدَّ من تعويدها عليه شيئاً فشيئاً حتى تستسيغه وتعضّ عليه بالنواجذ عند المصائب والفتن.
وسأبيّن جملة من الأمور التي تعين على الصبر، وتهوّنه على النفس، وهي على النحو الآتي:
أولاً: معرفة طبيعة الحياة الدنيا:
لعل أقرب أمر يعين الإنسان على الصبر ويحمل النفس عليه هو تصوّر الحياة التي يعيش فيها، ومعرفتها على حقيقتها وواقعها، فهي ليست جنة نعيم، ولا دار مُقامة، إنما ممرّ ابتلاء وتكليف؛ لذلك فالكَيِّس الفطن لا يفاجأ بكوارثها، فالشيء من معدنه لا يستغرب.
ولله دَرُّ القائل:
إن لله عباداً فُطَنا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفِتَنا
نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحيٍّ وَطَنا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سُفُنا
ورب العالمين يشير إلى أن حياة الإنسان محفوفة بالمخاطر مملوءة بالمتاعب في قوله:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}(١).