خلافًا لما يلجأ إليه غيره من حذف الأسانيد اكتفاء بالتخريج، واعتمادًا على أن أحاديثها، وردت في صحاح كتب السنة، وهذا الذي يسلكه غيره إنما هو نوع من الوجادة التي اشترط المحدثون في الرواية بها الإذن أو الوصية من المؤلف، وهي عندهم من أضعف أنواع التحمل، إلا أنهم كانوا مضطرين إليها بعد عصر الرواية، اعتمادًا على تحقق الثقة في الأحاديث عن طريقها، ولكن المصنف قد تحاشها، وندد بمن يعتمد في روايته عليها إذ يقول: إن هذا المختصر متصل الأسانيد بالأئمة، ويعلل هذا الاتصال الذي عول عليه في روايته لابنه بقوله: إنه يقبح بطالب الحديث بل بطالب العلم ألا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار، يستغني بها عن حمل الأسفار في الأسفار، وقد ادعى أن ذلك غير سائغ بإجماع أهل الدراية، ونقل ذلك عن الحافظ أبي بكر محمد بن خير الأموي.
ولا يسوغ الاعتراض على هذا المسلك بأن روايته عن أحمد بن حنبل ترجع إلى التحمل بالوجادة على اعتبار أنها نقل عن مسنده، فقد صرح المؤلف في الرواية عن أحمد بأن شيخه الذي نقل عن أحمد وهو عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل، فالتحمل هنا بلفظ حدثني لا بطريق الوجادة في المسند.
وقد أوضح المؤلف بأنه لم يرتب كتابه هذا على طريق التراجم التي ذكرها في المقدمة، بل على أبواب الفقه لقرب تناوله، كما صرح بأنه أتى في آخره بجملة من الأدب والاستئذان وغيره، وهذا لأنه لم يرد أن يخليه من جانب الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية.
وقد تأثر بهذا تلميذه الحافظ ابن حجر فختم كتابه "بلوغ المرام" بكتاب سماه الجامع، ذكر فيه أنواعًا من ذلك، إلا أنه لم يتأثر بشيخه في إيراده لبعض أحاديث تتعلق بالقدر وأشراط الساعة والبعث وذكر الجنة والنار لأن فيها استطرادًا يبعد به عن مقصود الكتاب، وإنما موضعها العقائد.
ومن تتبع الصحابة الذين تنتهي إليهم هذه التراجم وجدهم لا يخرجون عن عشرة من أجلائهم، هم على الترتيب الذي أورده في المقدمة: ابن عمر، أبو هريرة، أنس، عائشة، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، جابر، بريدة، عقبة بن عامر.
غير أنه عند إيراده لأول حديث في الكتاب -وهو حديث:"إنما الأعمال بالنيات" الذي التزم إيراده في أوله جريًا على طريقة المصنفين- خرج عن هذه التراجم لكونه لم يشترك مع ترجمة أحاديث عمر التي أوردها ضمن تراجمه، بل اعتمد في هذا الحديث على رواية علقمة بن أبي وقاص عن عمر، وهي غير الترجمة التي أوردها في الرواية عن عمر والتزم بها في هذا الكتاب، فإنها رواية سالم عن أبيه عن عمر، وذلك لأنه لم يجد لحديث:"إنما الأعمال بالنيات" هذه الترجمة التي التزم بها في أحاديث هذا الكتاب.
ومن الصور البارزة في هذا المؤلف أن الحافظ العراقي قد تجلت عنايته بالرواة وغيرهم ممن وردت أسماؤهم في الكتاب -كما يقول- فترجم لكل منهم قبل البدء في شرح الكتاب ترجمة مصورة له تصويرًا واضحًا.