للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بعده، وفي هذا تطبيق دقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

وبهذا يكون الشعراني قد تأدب بأدب النبوة حيث آثر أن ينقل ما وصل إليه من علم النبوة إلى من يتلقاه عنه، ليتصرف فيه بفهمه وإدراكه، أو يسأل عنه أهل الذكر إن شاء ذلك، فهو وإن لم يكن سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فإن أمرنا جميعًا وأمره وأمر غيره من المحدثين أن يكون ممن يطبق هذا الحديث معنى وفقهًا لا لفظًا وحرفًا، فإن الغاية من ورائه أن يسارع العلماء إلى نقل السنة، وأن يبادروا بحملها إلى المسلمين.

وأبرز ما في هذا الإمام من الأدب أنه ترك أمرين بارزين تقحم فيهما كثير من العلماء والفقهاء هما: التأويل والحكم بالنسخ؛ لأن واحدًا منهما لا يخلو من إظهار شخصية حيال الأحاديث النبوية، فقد أدى به ورعه وأدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يحمل عهدة ذلك؛ لأن المتعرض له قل أن يخلو من أن يكون عرضة للخطأ والمسئولية، وإن كان الخطأ في مثل ذلك مغفورًا، إلا أنه أخذ بالعزيمة فيه، وترك تلك الرخصة لمن عمل بها أو أراد أن يعمل بها، ولكل وجهته، وجزى الله الجميع خير الجزاء.

وأهم ما في الموضوع أن الشعراني قد استطاع أن ينقل إلينا سفرًا جليلًا في جميع ما تناوله من أبواب لا تحويها الأسفار العظيمة لولا تصرفه الذي أغنانا به عن عناء الطلب الطويل الكثير.

ونحن لا نستطيع أن نجزم -محاباة منا للمؤلف- بأن جميع أحاديث كتابه صحيحة، ولكنا نقول: إنه اجتهد في هذه الناحية وحمل مسئوليتها وحملنا معه تلك المسئولية بعرض ما نقل فيه من كتب السنة التي تروي الصحاح، وأن جميع أحاديث الكتاب أدلة فقهية للمجتهدين الذين تجل ساحتهم -وهم مسئولون عن أدلة الأحكام- أن يكون من بينها حديث ضعيف.

ومهما يكن من أمر فإننا -بعرض هذا الكتاب ودراسته وتصويره- نكون قد عرضنا لونًا من ألوان التأليف في أحاديث الأحكام، في ختام هذا العصر الذي نحن بصدد دراسته، وهو لون لا نعلم أن غيره شاركه فيه، سواء أكان مبرأ من العيوب أو لم يكن كذلك.

ثم إن مؤلفه رحمه الله لم يقصره على ذكر الأبواب المعهودة في كتب الفقه خاصة، بل إنه -باتجاهه الصوفي- أخلص النصيحة للأمة، واجتهد أن يكون بهذا الكتاب الشخصية المسلمة الكاملة التي تسير على جادة الإسلام، وهديه القويم الأكرم، وبذلك يمثل المسلمون -إذا انتهجوا نهجه- سيرة السلف الصالح على بينة واتجاه سليم، وقد نص على ذلك في مقدمة كتابه فقال: أولًا١ إنه أخذ جميع ما يتعلق بأمر أو نهي أو مكارم أخلاق من الأحاديث والآثار، وعرض ثانيًا٢ لتفصيل ما أورده خارجًا عن أبواب الفقه المتعارفة وحدد مواضعه المتفرقة، فقال: إنه ختم ربع


١ ص٥ ج١ كشف الغمة.
٢ ص٧ ج١ وما بعدها من نفس المصدر.

<<  <   >  >>