وذكر أنه ينبه على كثير مما حضره حال الإملاء، مما تساهل أبو داود رحمه الله في السكوت عن تضعيفه، أو الترمذي عن تحسينه، أو ابن حبان والحاكم عن تصحيحه لا انتقادًا عليهم رضي الله عنهم، بل مقياسًا لمتبصر في نظائرها من هذا الكتاب.
وقال: إن كل حديث عزاه إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما.
هذا هو المنهج الذي أورده المؤلف بنفسه عن كتابه، وهو منهج يطمئن كل قارئ للكتاب أو دارس له على دقة علمية، وأمانة في العرض، واحتياط في النقل إلى أقصى حد، وليس هناك بعد بيان المصادر، ثم الهيمنة عليها بنقد ما يستحق النقد منها على بينة وبصيرة.
فالحافظ المنذري من أئمة هذا الشأن، وخير من يرجع إليهم في تعرف درجات الأحاديث ومنزلة كل منها، وقد أفرغ هذا الإمام -رحمه الله- جعبته صادقًا في العلم، خالصًا مخلصًا في نشره، هذا إلى محاولة الاستيعاب التي مكنت له أن ينقب في هذه الكتب الأصول التي زادت على العشرين، ولكل كتاب منها خطره، ولمؤلفه فحولته، وكل واحد منها يكفي ليكون مرجعًا في أخذ السنة، والارتواء من مناهلها العذبة.
فهو -إذن- كتاب غزير الفوائد، لا نبالغ إذا قلنا: إنه كفاية لكل من رجع إليه في هذا النوع من السنة، وهو الترغيب في صالح الأعمال، والترهيب من سيئها وقبيحها.
والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء، ومبوب -كما قال- على أبواب الفقه، إلا أنه في واقع الأمر قد ذكر قبل أبواب الفقه أنواعًا من الترغيب والترهيب، كالترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة، والترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئًا منه، والترغيب في اتباع الكتاب والسنة، والترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، والترغيب في البداءة بالخير ليستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوفًا من أن يستن به، ثم كتاب العلم وما تحته من عناوين مختلفة: كالترغيب في طلب العلم، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين، والترغيب في الرحلة في طلب العلم، وما يتصل بذلك.
وبعد ذلك وضع كتابًا للطهارة تحته عدة عناوين، وتحت كل عنوان منها مواضيع مختلفة من الترغيب والترهيب، وفي كل موضوع أحاديث كثيرة تتناسب معه، وصنع مثل ذلك في كتاب الصلاة، ومثله في كتاب النوافل، وكذلك في كتاب الجمعة، ثم أورد كتب الصوم، والعيدين، والأضحية، والحج، والجهاد، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والبيوع، وغيرها، والنكاح وما يتعلق به، واللباس والزينة، والطعام وغيره، والقضاء وغيره، والحدود وغيرها، والبر والصلة وغيرها، والأدب وغيره، والتوبة، والزهد، والجنائز، والبعث، وأهوال يوم القيامة، وصفة الجنة والنار.
وتحت كل كتاب من هذه الكتب موضوعات جمة، وفي كل منها أحاديث تندرج تحت عنوانه.