فأما ابن الصلاح١: فقد ذكر أن علم الحديث لم يزل في اندراس، وصار أهله شرذمة قليلة لا تحقيق عندها، فمن الله عليه بأن يجمع في كتابه معرفة أنواع علم الحديث الذي أحكم معاقده، وقعد قواعده، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وجمع شتات علومه، وقنص شوارد نكته. ثم فهرس أنواع الحديث الخمسة والستين التي تعرض لها وقال: إنها قابلة للتنويع إلا ما لا يحصى.
هو بهذا لم يزد على أنه تدارك علوم الحديث بجمع شتاتها، وأورد المنهج الإجمالي ببيان أقسامها.
وأما النووي في التقريب: فإنه وصف كتابه بأنه اختصار لكتاب الإرشاد الذي صنفه اختصارًا لعلوم الحديث لابن الصلاح، كما وصفه بأنه بالغ في الاختصار من غير إخلال بالمقصود مع الحرص على إيضاح العبارة.
وأما العراقي: فإنه وصف كتابه بأنه تلخيص لعلوم الحديث لابن الصلاح مع زيادة بعض الفوائد.
ويمكننا أن نصور منهج كل منهم في إيجاز ببيان النواحي البارزة في تصرف كل منهم في النوع الأول وهو الصحيح، فنجد أن ابن الصلاح قد عرف الصحيح بالتعريف الذي أورده بعده كل من النووي والعراقي، وذكر قيوده الخمسة -اتصال السند والعدالة والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة- ثم قال على سبيل الإجمال: إنها احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في روايته نوع جرح.
أما صاحبا التقريب والألفية، فلم يعرض واحد منهما لشيء من المحترزات.
وعند الكلام على أفضلية صحيح البخاري على صحيح مسلم كان النووي أشد اختصارًا من العراقي، فاقتصر على مجرد ذكر القولين في أفضلية البخاري أو مسلم دون ذكر من قال بهما، وإن كان النووي قد زاد على كل منهما في هذا المقام أن مسلمًا اختص بجمع طرق الحديث، وأما العراقي فقد ذكر أن القول بأفضلية مسلم هو قول بعض المغاربة مع أبي علي النيسابوري تبعًا لابن الصلاح، الذي نقل عبارة النيسابوري في تصحيح مسلم وناقشها.
وعند ذكر عدم استيعاب الصحيحين صرح ابن الصلاح بهذا الحكم، وذكر له دليلين من كلام الشيخين البخاري ومسلم، واشترك كل من النووي والعراقي في نقل القول بأنه لم يفت الصحيحين إلا القليل، وإن كان العراقي قد ذكر اسم القائل بذلك -وهو ابن الأخرم- تبعًا لابن الصلاح، ولم يذكر النووي اسم القائل، وفي هذا المقام أدعى النووي -زيادة على ابن الصلاح- أنه لم يفت الخمسة من الصحيح إلا اليسير، وأورد أسماء الخمسة، وقد نقل ذلك العراقي عنه ورده بما روي عن البخاري، مما يفيد أن البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ثم أول عبارة البخاري بأنه أراد ما يشمل المكرر والموقوف، وذلك لما فيها من المبالغة، ثم اشترك معه -تبعًا لابن الصلاح- في بيان عدد ما في صحيح البخاري مكررًا وغير مكرر، ولكن ابن الصلاح