وكل غال ونفيس، وحملوا ذلك كله إلى السلطان، ثم أشار الرافضة على هولاكو ألا يصالح الخليفة؛ لأنه لا يلبث أن ينقض عليه، وحسنوا له قتل الخليفة، فتهيب السلطان ذلك، فشجعله الطوسي وابن العلقمي، فقتلوه رفسًا لئلا يقع على الأرض شيء من دمه، وقيل: خنق أو أغرق، وباءوا بإثمه وإثم من كان معه من السادات والعلماء، والقضاة والرؤساء والفقهاء، وانتهت الخلافة العباسية بقتل آخر خلفائها.
خرج الجنود بعد ذلك إلى بغداد فعاثوا فيها فسادًا، فقتلوا ونهبوا وشردوا، قتلوا الرجال والنساء والولدان، والشيوخ والكهول والشبان، وطاردوا الناس في كل مكان، فدخل كثير منهم في الآبار والمستنقعات والقنوات، وكمنوا في القاذورات، ومكثوا على ذلك أيامًا لا يظهرون، وكانت الجماعة من الناس تهرب من الموت إلى الخانات فيغلقون أبوابها عليهم، فيفتحها التتار بالكسر أو بالنار، فيفرون منهم إلى أعالي الأماكن وسطوح المساكن فيقتلونهم فيها، حتى جرت الميازيب بالدماء، وامتلأت البيوت بالقتلى، وغصت الطرقات بالأجساد، وتراكمت وكأنها التلال ونزلت عليها الأمطار فتغيرت، وظهرت رائحة النتن، وتغير الجو، وفسد الهواء وانتشر الوباء ومات بسبب ذلك خلق كثير، ولم ينج من أهل بغداد إلا من كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، أو كان محتميًا بدار الوزير ابن العلقمي، أو كان من طائفة التجار الذين أخذ لهم أمان بذلوا من أجله أموالًا كثيرة، وكان الرجل من العلماء أو الرؤساء أو الأمراء يستدعى من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه وأهله، فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة، فيذبح كما تذبح الشاة أمام أولاده، ثم يذبحون واحدًا واحدًا إلا من يختار للأسر من بناته وجواريه، وقتل شيخ الشيوخ والعلماء والخطباء والأئمة وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجمع والجماعات شهورًا ببغداد، وأراد ابن العلقمي أن يبني على أنقاض ذلك مدرسة للرافضة، ينشرون عِلمهم بها وعَلَمهم عليها، فلم يرد الله ذلك ومات كمدًا، وأخذه الله بعد شهور أخذ عزيز مقتدر.
ولما نودي في بغداد بالأمان، خرج الناس من مكامنهم تحت الأرض، من كان منهم بالمطامير والقنوات والمقابر، كأنهم الموتى قد نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضًا، فلا يكاد يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا، وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى.
ثم استهلت سنة ثمان وخمسين وستمائة وليس للناس خليفة، فملك العراق وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار، وسلطان ديار مصر للملك المظفر سيف الدين قطز، وسلطان دمشق وحلب للملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلاد الكرك والشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، وهو والناصر صاحب دمشق ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وكان كل هؤلاء حربًا على المصريين، قد عزموا على قتالهم