والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الرجل في الحديث ببيع مطلق وشراء مطلق؛ فقال:"بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" والمطلق في لسان الشارع إنما يصدق على الصور التي أحلها لا على الصور التي حرمها. وبيع العينة ومنا في معناه قد حرمه الشارع؛ فلا يمكن أن يصدق على البيوع المحرمة، ما يجيء على لسان الشارع من بيع مطلق أو شراء مطلق.
وكتاب الحيل الذي وردت فيه الحيل غير المشروعة التي يتوصل بها إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال نسبه الخطيب البغدادي في الجزء الثالث عشر من تاريخ بغداد" لأبي حنيفة عندما ترجم له. ولكن المحققين من العلماء يبرئون أبا حنيفة من الكتاب ومما ورد فيه، كما نسب القول بالحيل إلى أبي يوسف وإلى محمد بن الحسن.
وأكثر ما ينسب إلى أبي حنيفة من ذلك ما أفتى به في مسائل تتعلق بالأيمان عامة، وبالطلاق خاصة، ليس فيها تحايل على إبطال الحق؛ ولكنها استنباط فقهي للخروج من مأزق، كأن يحلف الرجل ليقربن امرأته نهارا في رمضان، فيفتيه أبو حنيفة أن يسافر بها نهارا في رمضان، ويحلف آخر وقد رأى امرأته على السلم فيقول: أنت طالق ثلاثا إن صعدت، وطالق ثلاثا إن نزلت، فيفتيه أبو حنيفة أن تقف المرأة على السلم ولا تصعد ولا تنزل ويحتال جماعة يحملون السلم بالمرأة فيضعونه على الأرض ... وهكذا.
ومنه ما يكون من باب التسبب، أي أن يحدث المكلف سببا يؤدي إلى تغيير الحكم، كما لو دخل رمضان فأنشأ السفر ليأكل، أو كان له مال فوهبه قبل الحول تخلصا من الزكاة.
ولا شك أن أي حيلة تؤدي إلى استحلال الحرام، أو تحريم الحلال فهي خداع وباطل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها، أي أذابوها- فباعوها- وأكلوا ثمنها". متفق عليه.