هـ والعمل بخبر الواحد ليس تعبدا للظن، إنما جعل خبر الواحد العدل علامة على صدق ما أخبر به، ولسنا متعبدين بالعلم بصدقه، ولكن بالعمل عند ظن صدقه، كما جعلت رؤية هلال رمضان من الآحاد علامة على وجوب صوم شهر رمضان.
٣- وذهب المستشرقون وعلى رأسهم شيخهم اليهودي المجري "جولد تسيهر" إلى إن السنة لم تدون إلا بعد أن اشتد النزاع بين الأمويين وخصومهم من آل البيت والزبيرين على السواء، فاخترع كل فريق من الأحاديث ما يدعم به رأيه، وما يكون حجة ضد خصمه، واستغل الأمويون بدهائهم الإمام الزهري في ذلك، ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسة لصالح البيت الأموى، بل تعداه في أمور العبادات.
وأجيب عن ذلك بأنه اتهام كاذب للخلفاء الأمويين، ولعلماء الإسلام جميعا، يناقضه الواقع الذي عرف عنهم، فعبد الملك بن مروان، الذي كتب الزهري السنة في عهده ذكر ابن سعد وغيره من أصحاب السير عنه، أنه كان صاحب نسك وتقوى منذ نعومة أظفاره، حتى كان الناس يلقبونه بحمامة المسجد، وفي عهده تمت الفتوحات الإسلامية العظيمة.
والزهري وقرناؤه من العلماء لم يكونوا لعبة في يد حاكم، بل عرف عنهم من التقوى والاعتزاز بالإسلام مايؤكد أن أحدا منهم لم يتخذ مطية لهوى سلطان يكتسب به رضاه ويبوء بسخط من الله.
وكان ابن شهاب الزهري أعلم الناس بالسنة في عصره، قال فيه سفيه بن عيينه: لم يكن في الناس أحد أعلم بالناس من الزهري، وقال يحيى بن سعيد القطان: ما بقي عند أحد من العلم ما بقي عند ابن شهاب، وهو أول من سبق إلى تدوين السنة وجميعها بعد أن كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالمدينة أبي بكر بن حزم، وإلى ولاته بالأمصار أن يجمعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أبا بكر بن حزم لم يجمع إلا جزءا يسيرا، أما الذي ثابر على الجمع وتوافر عليه وعرف عنه ذلك فهو الزهري.