وأجمع علماء الجرح والتعديسل على توثيقه وأمانته وجلاله قدره في الحديث وما زعمه "جولد تسيهر" من صلته بالأمويين واستغلاله في وضع أحاديث موافقة لأهوائهم محض افتراء لا يليق برجل كالزهرى في أمانته وروعه، فإذا اتصل بالخلفاء أو اتصلوا به فلا يؤثر هذا الاتصال عليه إلا بالقدر الذي يقول به نحوهم من النصح في الدين، والتذكير بحقوق الأمة عليهم، وما ألقاه الله على عاتقهم من واجبات لرعيتهم، وما يقوم به كذلك من تأديب لأولادهم حتى يكونوا أسوة حسنة لغيرهم.
٤- وتحامل بعض الكاتبين ولا سيما المحدثين، كأحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" وأبي رية في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" على أبي هريرة، وقالوا: إنه أكثر الصحابةحديثا، ولم يكن يكتب، بل كان يحدث من ذاكرته، وإنه لم يكن يقتصر على ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يحدث عنه بما سمعه من غيره، وأن بعض الصحابة قد انتقده وشك في صدقه، وإنه كان محتقرا متهما في إسلامة متشيعا لبني أمية.
وأجيب عن هذه الادعاءات:
بأن كثرة مرويات أبي هريرة ترجع إلى ما آل إليه أمره من قوة الذاكرة، فقد كان كما روى أئمة الحديث سيء الحظ حين أسلم، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"افتح كساءك" فبسطه، ثم قال له: ضمه إلى صدرك" فضمه، فما نسى حديثا بعده قط، وقال ابن حجر- بعد أن ساق ذلك: والحديث المذكور من علامات النبوة، فإن أبا هريرة كان أحفظ الناس للأحاديث النبوية في عصره.
وكان أبو هريرة أكثر الصحافة ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله، وقال الإمام الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال الحاكم: كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزمهم له صحبة.