وأما أنه لم يكن يكتب الحديث بل كان يحدث من ذاكرته، فذلك شأن عامة الصحابة، إلا القليل منهم كعبد الله بن عمرو بن العاص ممن كان يكتب لنفسه، وقد كان العرب أمة أمية، فاستعاضت عن الكتابة في السطور بالحفظ في الصدور.
وأما أنه كان يحدث عن رسول الله ماسمعه من غيره، فهذا لم ينفرد به أبو هريرة، بل شاركه فيه صغار الصحابة، ومن تأخر إسلامه، فإنهم اسندوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعوه من صحابته، ولم يجدوا حرجا في ذلك، لأن الصحابة عندهم عدول، ولذا ذهب العلماء إلى الاحتجاج بمرسل الصحابي، وأن حكمه حكم المرفوع.
وأما ما روى من نقد لبعض الأحاديث التي رواها، والتشكيك في صدقه، فإنه لم يصح شيء من ذلك، وقد أجمع السلف على تعديل الصحابة، ولم يعرف أن أحدا منهم كان يكذب الآخر أو يشك في صدقه، والذي صح في ذلك إن دل على شيء إنما يدل على التعجب من كثرة ما رواه أبو هريرة من أحاديث وبيان أبي هريرة لسبب ذلك، والتعجب من الأمر لا يكون تكذيبا له، أو تشكيكا في صحته. روى مسلم في صحيحه أن أبا هريرة قال:"إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم".
وأما ما ذكره أبو رية من أنه كان محتقرا اختلفوا في اسمه، متهما في إسلامه، متشيعا لبني أمية، فإنه محض افتراء وتشويه للحقائق فإن الاختلاف في اسم الرجل لا يحقر من شأنه، فالمرء يقدر بعلمه لا باسمه ولقبه، وقد اختلف المؤرخون في أسماء كثير من الصحابة ولم يغض ذلك من شأنهم، ولم يحط من قدرهم.
وكان إسلام أبي هريرة إسلاما خالصا لله كإسلام الصحابة جميعا، لازم رسول