للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد استعمل القرشيون عقلهم أيضا أمام الوحي، والقدرة الإلهية في حادثة الإسراء والمعراج، وأنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله لهم، وقالوا له: أنضرب لها الأكباد الإبل شهرا وتزعم أنك تأتيها في ليلة واحدة؟!..

لقد أملى عليهم عقلهم استحالة ما سمعوه من رسول الله؛ لأن العقل لا يسلم أبدا بأن يسافر إنسان ما في زمان النبوة والبعثة، من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، ويعود في ليلة واحدة، ونسوا أن الذي أسرى برسول الله هو قدر الله تعالى، والفاعل هو الله، يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أُسري بي الليلة" ٢، ولم ينسب الفعل لنفسه.

إن أصل الخلاف بين الرسول وأهل مكة في هذه الحادثة هو مصدر الفعل والتصور، فأهل مكة يعتمدون على عقولهم، بينما الرسول ينطلق من الوحي والنبوة.

لقد ذهب الكفار إلى أبي بكر رضي الله عنه ليكون معهم في تصورهم العقلي وينكر معهم الإسراء والمعراج..

لكنه رضي الله عنه بمنطق الإيمان بالنبوة والرسالة يرد عليهم قائلا: إن قال فقد صدق، إنه يخبرني أن الوحي يأتيه من السماء في لحظة وأنا معه فأصدقه، أفلا أصدقه هنا؟!

إن البعض قد يتصور أن الإيمان أبي بكر في شأن حادثة الإسراء والمعراج وغيرها قد بني على غير تفكير، أو على أساس الإيمان فقط، وهذا تصور خاطئ، إنه قد علَّم الجميع درسا فائقا، في كيفية استعمال العقل، وحدوده التي لا ينبغي له أن يتجاوزها.


١ سورة الإسراء آية ١.
٢ صحيح مسلم بشرح النووي - باب الإسراء ج٢ ص٢١٠.

<<  <   >  >>