سيطر على العالم قبيل ظهور الإسلام وضع سيئ، ضيع حقوق الإنسان وحرمه من حريته وكرامته وسائر حقوقه.
ففي كل مجتمع وجد العبيد والمنبوذون والضعفاء الذين يعيشون لخدمة السادة والرؤساء، لدرجة أن الإنسان الضعيف كان يعد جزءا من الأرض يملكه غيره كما يملك الحيوان والمتاع والعقار، وانقسمت المجتمعات جميعا إلى طبقات عديدة يتمتع من خلالها فريق الطبقة العليا بكل شيء، ويحرم الآخرون من أي شيء، ولذلك انتشرت الأحقاد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
ومن العجيب أن استغلال الإنسان لغيره واستعباده لغاياته وأمانيه لبس ثوبا دينيا، فالطبقات العليا في فارس والهند هي آلهة الناس، وليس على الطبقات الدنيا إلا السمع والطاعة.. وفي الدولة الرومانية بقسميها شغل القياصرة الناس بأمور جدلية حول طبيعة المسيح وأمه، وحول الألوهية وصلة المسيح بالله.. ومع كل هذا الجدل كانت طبقة الكنيسة تملك كل شيء، فهي ظل الله في الأرض، وعليها المحافظة على ما للمسيح من قداسة وتقدير.
وكان الولاة في كافة الأقاليم يرهقون الناس بدفع الضرائب، وتحصيل الإتاوات المختلفة بمسميات كثيرة، ويجبرونهم على ذلك، وإن كان فيما يدفعون معاشهم وحياتهم وحياة أبنائهم.
وهكذا عاش إنسان هذا الزمان مقهورا مظلوما مستعبدا باسم دين العلية الحاكمة.
وقد تذكر بعض الصور الأخلاقية الكريمة هنا، أو هناك، إلا أنها لا تدل على طبيعة العلاقات الاجتماعية بصورة عامة؛ لأنها صور وجدت في حياة الرؤساء والقادة، والطبقات العليا، ولم ير العامة منها شيئا.
وهذا الوضع يفسر سر مسارعة الضعفاء إلى اعتناق الإسلام، والدخول في دين الله تعالى، لما رأوا فيه من عقيدة كاملة، ترضي العقل، وتشبع النفس، وتحقق للجميع الحرية والمساواة، في إطار الأخوة الدينية التي تؤكد على أن الناس سواسية لا يفضل أحدهم أخاه إلا بالتقوى، وجزاء الجميع عند الله تعالى.