[الفصل الثالث: حركة النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى في مكة]
[تمهيد]
نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تعليما وتهيئة، وبعد مرور سنة أشهر نزل جبريل عليه السلام بأول سورة المدثر لنقل محمد صلى الله عليه وسلم من مرحلة النبوة إلى مرحلة الرسالة، كما هو واضح من قوله تعالى:{قُمْ فَأَنْذِرْ} فهو أمر بالقيام بأمر الدعوة بما يعنيه من الثبات، والإخلاص، والملازمة، والاستقامة، والشمول، وحسن الطلب والتوجيه؛ لأن القيام يشمل ذلك كله١.
وبهذا الأمر "قُمْ" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرك بالدعوة؛ لإيصالها إلى البشر أجمعين، بطريقة منهجية تراعي أحوال الناس، وبالحركة الممكنة، وبقدر ما تسمح به الأحوال.
وقد اقتضت منهجية الحركة بالدعوة أن تمر بعدد من المراحل في مكة؛ حيث تغاير التوجيه والبلاغ في صورته وأسلوبه، في كل مرحلة عن سابقتها، وعن ما يلحق بها.
وهذا التغاير بين مراحل الدعوة ضرورة واقعية ليتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاة معه، ومن بعده، مع الواقع بما يناسبه، وبما يحقق الغاية المقصودة منه.
إن هدف الدعوة معروف منذ اللحظة الأولى، لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى وسائل عديدة تتعامل مع واقع الحياة والأحياء، ويحتاج كذلك إلى أسلوب يلتقي مع أفهام المخاطبين، ويتلاءم مع أفكارهم وثقافاتهم..
إن ثبات الغاية وتغيير الأسلوب والوسيلة مسألة تعطي الدعوة الحيوية والمرونة والتجديد.
ومن المعلوم أن جمود الوسيلة لا يتفق مع تطور الحياة، وتقدم المدنية، وطبائع الناس، كما أن جمود الأسلوب تخلف يؤدي إلى وضع الأفكار في قوالب غامضة تضر الفكرة، وتعجز عن إيصالها إلى عديد من الناس.