كان للنضج الذي ساعد العالم، وكثرة الصراع وتنوعه، وسهولة الاتصال، وتلاقي الأفكار قبيل مجيء الدعوة الإسلامية أن ظهرت موجة من النقد للعقائد يومذاك.
إن النقد على العموم ظاهرة تدل على عدم اكتمال الثقة في العقائد التي يتوجه النقد إليها، ومن هنا صاحب عملية النقد شعور بقرب ظهور نبي من العرب يصلح فساد هذا العالم، ويضع الحقيقة الفاصلة في مسألة العقيدة والسلوك، وكل ما يعتقده الناس في الأصنام، ويطلبونه منها.
وقد وصل هذا الشعور إلى حد الاحتمال المؤكد لدرجة أن اليهود في المدينة "يثرب" كانوا ينتظرون هذا النبي على وجه اليقين، وكثيرا ما ذكروا لجيرانهم من الأوس والخزرج أنهم سيتبعون هذا النبي صلى الله عليه وسلم فور ظهوره ليتمكنوا به من سيادة العالم وتملك الناس، وقتل الأوس والخزرج قتل عاد وإرم، والقرآن الكريم يقص ما كان منهم في هذا الشأن بقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ١.