للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالنسبة لميلاد المصطفى في عام الفيل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد قبل وقوع الحادثة بخمسين يوما، فمن أجل أن يدرك الناس أن قدرة الله الغائبة عنهم تتصل بكل موجود، وكل ما في الكون قدر إلهي محض، وإذا أراد الله شيئا قال له: كن فيكون، حتى إذا جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم علموا أنه المبعوث لهم من الله تعالى.

ومن أين للناس أن يدركوا هذه الأسرار في يوم مولده صلى الله عليه وسلم؟

إن هذه الحِكَم وهذه الأسرار لم ترتبط وقتها في أذهان من رأوها بمبعثه محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، ولا يراد منها ذلك، ويكفي أنها تحرك الأذهان نحو عدم تأليه من يزول، ويتغير مثل النار المنطفئة، أو البيوت المكسورة، أو الأصنام المهتزة، وليتأكدوا من وجود قوة قاهرة تحقق أعمالا، لا يقدر عليها الناس، ولا يمكنهم تفهم أسرارها.

وذلك أثر ممكن الحدوث، وبخاصة أن أهل الكتاب وحكماء العرب كانوا يؤمنون بمبعث نبي بشرت به الكتب المنزلة، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ١، ويقول سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٢.

يقول ابن كثير: يخبر الله تعالى أن أهل الكتاب يعرفون محمدا كما يعرفون أبناءهم، ويعرفون أنه صادق، وقد جاء وصفه مكتوبا مدونا في التوارة والإنجيل مع أساسيات دعوته في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتحليل الطيبات، وتحريم الخبائث٣.


١ سورة البقرة آية ١٤٦.
٢ سورة الأعراف آية ١٥٧.
٣ تفسير ابن كثير ج١ ص١٩٤ بتصرف.

<<  <   >  >>