للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي بعضها: "إلى أسفل بطنه".

وجاء في إحداها: "فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته".

وفوق ذلك كله فأنس بن مالك رضي الله عنه يقول: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره١.

يقول الدكتور/ محمد سعيد البوطي في رده على كلا الفريقين: رُويت هذه الحادثة بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة.

وليست الحكمة من هذه الحادثة -والله أعلم- استئصال غدة الشر في جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كان الشر منبعه غدة في الجسم، أو علقة في بعض أنحائه لأمكن أن يصبح الشرير خيِّرا بعملية جراحية، ولكن يبدو أن الحكمة هي إعلاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيئته للعصمة والوحي، منذ صغره بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به، وتصديقهم برسالته.

إنها إذن عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي؛ ليكون ذلك الإعلان الإلهي ظاهرا بين أسماع الناس وأبصارهم، وعلى مستوى تصوراتهم.

وأيا كانت الحكمة، فلا ينبغي -وقد ثبت الخبر ثبوتا صحيحا- محاولة البحث عن مخارج لصرف الحديث عن ظاهره وحقيقته، والذهاب إلى التأويلات الممجوجة البعيدة المتكلفة، ولن نجد مسوغا لمن يحاول هذا -رغم ثبوت الخبر وصحته- إلا ضعف الإيمان بالله عز وجل.

ينبغي أن نعلم بأن ميزان قبولنا للخبر إنما هو صدق الرواية وصحتها، فإذا ثبت ذلك ثبوتا بينا فلا مناص من قبوله، موضوعا على الرأس، وميزاننا لفهمه حينئذ دلالات اللغة العربية وأحكامها، والأصل في الكلام الحقيقة، ولو أنه جاز لكل


١ السيرة النبوية في الصحيحين ص١٢٤.

<<  <   >  >>