لكن الإنسان ليس واحدا، وإنما هو متعدد النزعات، متنوع الفكر، يتأثر واقعه دائما بعوامل جغرافية، وبيئية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية ... إلخ؛ ولذلك قضى الله بحكمته أن يبعث رسولًا لكل أمة يبلغها بالعقيدة الدينية الواحدة، وبأسلوب يتلاءم معها، وبمنهج يقربها من دعوته، مع تكليف الناس بأعمال وتطبيقات تطهر حياتهم، وتقوي عقيدتهم، وتساعد في القضاء على مواريث الجهل والضلال، وبناء الحياة على الحق والصواب.
وقد رأينا في الكتاب الأول الخاص بدعوة الرسل -عليهم السلام- أن كل رسول دعا قومه بمنهج خاص، وبطريقة خاصة، مع اتحادهم في العقيدة الواحدة.
ورأينا -كذلك- أن كل رسول بُعث لقوم معينين، سواء تتابعوا زمنيًّا، أو بعثوا في وقت واحد كإبراهيم ولوط عليهما السلام.
ورأينا -أيضًا- أن كل رسالة كانت تراعي أحوال المدعوين، وتلاحظ مستواهم العقلي والحضاري في التوجه والمناقشة.
إن هذا الموكب الطويل من الرسل جاءوا للناس بصورة واحدة للاعتقاد الصحيح، القائم على التوحيد الخالص، التوحيد المطلق، الناصع، القاطع، توحيد الألوهية التي يجب أن يتوجه إليها البشر جميعًا، كما يتوجه إليها سائر الخلائق بالتسليم والخضوع والعبودية.
إن هذا التوحيد يعني أن القوامة المطلقة لله لازمة على خلقه جميعًا، فلا يقوم شيء إلا لله، ولا سيادة على الخلق إلا من الله، ومن ثَم فإن الاستسلام كله من البشر يجب أن يكون لله، صاحب الحول والطول، ورب العالمين.
وقد علَّم الله رسله أن يتلاءم كل منهم مع واقعه في الشريعة، وإن اختلفت عن الشرائع الآخرى، يقول تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} ١.