للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الزهري: فكلما وافَى ذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال له: يا محمد، أنت رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى ذروة الجبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك١.

يتساءل البعض: كيف يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفكر في إلقاء نفسه من ذروة الجبل؟

والجواب: أن ذلك كان هَمًّا، لا قرارا.

وكان يظن أن قوته عاجزة عن تحمل ما يتوقعه من أعباء النبوة.

وخوفا مما قد يحصل له صلى الله عليه وسلم حين القيام بها من مباينة الخلق جميعا وعداوتهم.

وذلك كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل، بما يكون فيه زواله عنه، ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلا، حتى إذا تفكر فيما سيكون من العقبى المحمودة صبر، واستقرت نفسه.

والعلماء يختلفون في تحديد مدة انقطاع الوحي، فبعضهم يذهب إلى أن الوحي انقطع مدة قاربت السنتين ونصف، وبعضهم يرى أنها كانت أياما، إلى غير ذلك من الآراء، يرى ابن إسحاق: أنها كانت ثلاث سنوات، ويرى ابن كثير: أنها كانت سنتين ونصف، ويرى ابن عباس: أنها كانت أربعين يوما، ويذهب ابن الجوزي إلى: أنها كانت خمسة عشر يوما، ويرى مقاتل: أنها ثلاثة أيام، والرأي الأول بالاعتبار هو في تقصير مدة الانقطاع لمناسبته مقام الرسول عند ربه، ولأنه من الأمور التي إذا طالت انتشرت وعرفت واشتهرت، كما أن الانقطاع مدة طويلة يؤدي إلى ضياع كثير مما تم بناؤه في دنيا الناس، وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


١ انظر ص٣٢٤ وما بعدها.

<<  <   >  >>