وفي الآية الثانية:{قُمْ فَأَنْذِرْ} أمر بالقيام والنهوض، وترك النوم والكسل، وضرورة التصميم الجاد، والسعي المستمر في الدعوة لدين الله تعالى، وليكن الإنذار أول الأمر مع الناس، وهو المناسب لهم؛ تنبيها لعقولهم، وتعريفهم بالخطر الذي يترصد الغافلين، الساترين في الضلال، وهذا الإنذار رحمة من الله للناس؛ لأنه يعطيهم الفرصة لينقذوا أنفسهم من ضلال الدنيا وعذاب الآخرة.
وتتجلى الرحمة في هذا الإنذار بأنه يأتيهم بواسطة رسول، يدعو ويبين، ويكرر ويصبر، ويستمر طويلا في دعوتهم، عساهم يستجيبون ويتأثرون.
والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو منذر فهو مبشر إلا أن المقام اكتفى بالإنذار مراعاة لأحوال المخاطبين.
والآية الثالثة:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} توجه رسول الله خاصة لمعرفة مقام الله وعظمته التي تصغر أمامه سائر القوى، فهو وحده الكبير المتعال، وبهذا التصور يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته الناس آمنا، لا يتأثر بمعارضاتهم أو عداوتهم؛ لأنه مع الله القوي العزيز.
يقول سيد قطب: ليواجه نذارة البشرية، ومتاعبها، وأهوالها، وأثقالها، بهذا التصور، وبهذا الشعور، فيستصغر كل كيد، وكل قوة، وكل عقبة، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة، هو الكبير، وكما أن مشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور ومعايشة هذا الشعور١.
والآية الرابعة:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} توجه الرسول صلى الله عليه وسلم للمحافظة على طهارة الظاهر والباطن؛ لأن التلقي عن الملأ الأعلى يتناسب مع هذه الطهارة.
وطهارة الثوب كناية عن طهارة القلب والعمل والسلوك.
والمحب للطهارة، المتعود عليها، يعمل ألا يقع في غيرها.