وبعد أن أعلن محمد صلى الله عليه وسلم رسالته، ونادى في مكة بدين الله تعالى ظل عمه أبو طالب على دين قومه، ولم يدخل في الإسلام، ومع ذلك بقي يدافع عن محمد، ويرد من يقصده بسوء.
ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب أبَى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن وقوفه بجانبه، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له: قد بلغنا يا أبا طالب الكثير عن ابن أخيك محمد، هذا عمارة بن الوليد، أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل.
فقال لهم أبو طالب: والله لبئس ما تسومونني! أتعظوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدا.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا.
فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك١.
وقد تجمع أعمامه حوله صلى الله عليه وسلم حماية له ما عدا أبي لهب، فقدأعماه الله عن الحق، وأخذ في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والصد عن الدعوة حتى أمر ولديه بتطليق بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذت امرأته في وضع الشوك والحطب والقذر أمام بيت محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما عزمت قريش على قتل محمد جاءوا يستأذنون قومه -وهم بنو هاشم وبنو المطلب- لأخذه وقتله برضى قومه، فأبوا ذلك عليهم، ورفضوا تسليمه لهم مع أنهم لم يدخلوا في الإسلام يومذاك؛ عصبية وخوفا من العار..