للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أبو جهل يجيء أحيانا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه فلا يؤمن، ولا يطيع، ولا يخشى، ويؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول، ويصد عن سبيل الله، ثم يذهب مختالا بما يفعل، فخورا بما ارتكب من الشر، كأنما فعل شيئا يذكر، وفيه نزل قول الله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ١.

وكان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم، ومرة مر به وهو يصلي عند المقام فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا، وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد، بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا، فنزل قول الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} ٢.

ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار، بل ازداد شقاوة فيما بعد، أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟

فقيل: نعم!

فقال: واللات والعزى، لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه مهرولا، ويتقي بيديه.

فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟

قال: إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا، وأجنحة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لأختطفته الملائكة عضوا عضوا" ٣.


١ سورة القيامة الآيات ٣١-٣٥.
٢ سورة العلق آية ١٧.
٣ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص١٢٦.

<<  <   >  >>