للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا له: وما ذاك؟

قال: "أنا رسول الله بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علي الكتاب"، ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.

فقال إياس بن معاذ: هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر -أنس بن رافع- حفنة من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.

ثم لم يلبس إياس بن معاذ أن هلك، يقول محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما، لقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع١.

٣- أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:

لما بلغ يثرب خبر سويد وإياس رضي الله عنهما، وإنهما سمعا محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنا بدعوته، بدأ أهلها في التفكير في أمر محمد، وبخاصة أهل الرأي فيهم، ومنهم أبو ذر الغفاري، أخذ أبو ذر يفكر في الإسلام، وهو في يثرب، فقال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فأعلمني علم هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.

فانطلق أخوه حتى قدم مكة، ولقي محمدا صلى الله عليه وسلم، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر.

فقال أبو ذر: ما شفيتني مما أردت، فتزود أبو ذر، وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فرآه علي رضي الله عنه فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم


١ المصدر السابق ج١ ص٤٢٧، ٤٢٨.

<<  <   >  >>