للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك ظهر في العرب عدد من "الحكماء" الذين امتازوا بالخبرة والتجربة، وكانوا مرجع القوم فيما يعرض لهم من مشاكل يقضون لهم فيها، وقد تنوقلت عنهم كلمات قصيرة موجزة، لكنها تحمل المعنى الكبير مما جعلها تخلد بين الناس، ومن أمثالهم:

"مقتل الرجل بين فكيه".

"إن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى".

يقول الشهرستاني عنهم: "ومنهم الحكماء، وهم شرذمة قليلون؛ لأن أكثر حكمهم فلتات الطبع، وخطرات الفكر"١.

وقد اتجه الحكماء أيضا إلى فكرة ضرورة الخالق، وربط المعلول بعلته، ورأوا استحالة وجود هذا الكون بلا موجد له قدير، يقول عامر بن الطرب الحكيم مفكرا في سبب الخلق: "إني ما رأيت شيئا قط خلق نفسه، ولا رأيت موضوعا إلا مصنوعا، ولا جائيا إلا ذاهبا، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء"٢.

ومن حكماء العرب كذلك "عبد المطلب" جد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي وصلت به الحكمة إلى سن أمور أقرها الإسلام بعد، فقد منع نكاح المحارم، وقطع يد السارق، ونهى عن قتل الموءودة، وجعل دية القتيل مائة من الإبل، إلا أن الحكمة مهما دقت، فإنها لا تصل إلى الحقيقة بكمالها وأصولها؛ ولذلك كانت حاجة الحكماء وغيرهم إلى وحي يقنعهم ويأخذهم إلى دين الله تعالى ضرورة لا بد منها.

ويبدو أن الفرق بين الحنفاء والحكماء أن الحنفاء بذلوا الجهد كله لمعرفة الدين الحق، الذي كان عليه إبراهيم -عليه السلام- وأهملوا عبادة الأصنام، أما الحكماء فكان تفكيرهم في الخلق والخالق عارضا، وكانوا بمثابة قضاة مجتمعهم، ومع ذلك عبد بعضهم الأصنام مثل أقوامهم..


١ الملل والنحل ج٢ ص٦٤.
٢ تمهيد لتاريخ الفلسفة ص١١٠.

<<  <   >  >>