والآيات تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، وترك المشركين في غيهم، وعدم إثارتهم، مع التركيز على دعوة الأقربين، وتقوية العلاقة الطيبة مع المؤمنين.
وكانت هذه المرحلة جهرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط؛ حيث أمره الله تعالى بالجهر، أما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين فقد ظلوا على صمتهم واستخفائهم؛ لأن الأمر بالجهر جاء مقترنا بالدعوة إلى الصبر والتحمل وتجنب المشركين والبعد عن كل ما يؤدي إلى التصادم معهم.
ولأن حركة الصحابة كانت سرية بقي مكان تجمعهم في دار الأرقم سرا لا يعلمه كفار مكة إلا يوم أسلم عمر بن الخطاب، وكانوا يخفون من أسلم حفاظا عليهم؛ ولذلك استمروا يؤدون مناسكهم وصلواتهم في الشعاب، ولم يتجمعوا عند الكعبة إلا بعد إسلام عمر.
رغب المسلمون مرة في إسماع القرآن الكريم أهل مكة عساهم يتأثرون ببلاغته ومعانيه، فاجتمعوا لتدبير هذا الأمر، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟
فقال عبد الله بن مسعود: أنا.
قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
قال: دعوني فإن الله سيمنعني.
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، ثم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} رافعا بها صوته {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} .
فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟
ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.
ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك.