للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن الكريم هو الذروة الأعلى في البلاغة العربية، وهو الأسلوب الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم في عرض دعوته، وتبليغ دين الله تعالى؛ ولذلك حين نبحث في أساليب الدعوة في عصر الرسالة نجد أنفسنا تلقائيا أمام القرآن الكريم نستنطقه فيطلعنا على أسلوب رسول الله في الدعوة، وسنتهديه فيهدينا.

ومن هنا ندرك أن القرآن الكريم هو دستور الدعوة موضوعا، ووسيلة، وأسلوبا، وغاية..

والقرآن الكريم يقدم الفصاحة العالية البليغة، في أسلوبه، ونسقه، ويصور المعنى المقصود تصويرا حركيا؛ حيث يجسد المعنى، ويقدمه مشخصا، ظاهرا؛ حيث نجده يفضل الكلمة المصورة للمعنى أكمل تصوير؛ ليشعرك به أتم شعور وأقواه، وخذ لذلك أمثلة:

كلمة "يسكن" في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} ١ لما في السكون من الهدوء والثبات، كأنها على الأرض.

وكلمة "تسوروا" في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ٢ لدلالة الكلمة على المفاجأة والمخالفة والاستعلاء.

وكلمة "يطوقون" في الآية الكريمة: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ٣ لأن الطوق يعم ويشمل ما بداخله في إحكام.

وكلمة "يسفك" في آية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} ٤ لأن السفك


١ سورة الشورى آية ٣٣.
٢ سورة ص آية ٢١.
٣ سورة آل عمران آية ١٨٠.
٤ سورة البقرة آية ٣٠.

<<  <   >  >>