للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: {خَيْرٌ لَكُمْ} أخف من "أفضل لكم"، والمصدر في نحو: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} ، {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أخف من "مخلوق" و"الغائب" و"نكح" أخف من "تزوج"؛ لأن فعل أخف من تفعل؛ ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر.

ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ: الرحمة، والغضب، والرضا، والحب، والمقت، في أوصاف الله تعالى مع أنه لا يوصف بها حقيقة؛ لأنه لو عبر عن ذلك بألفاظ الحقيقة لطال الكلام، كأن يقال: يعامله معاملة المحب، والماقت، فالمجاز في مثل هذا أفضل من الحقيقة؛ لخفته، واختصاره، وابتنائه على التشبيه البليغ، فإن قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أحسن من "فلما عاملونا معلمة المغضب" أو "فلما آتوا إلينا بما يأتيه المغضب"١. اهـ.

ولم يزد مرور الزمن بألفاظ القرآن إلا حفظا لإشراقها، وسياجا لجلالها، ولم تهن لفظة، ولم تتخل عن نصيبها، في مكانها من الحسن، وقد يقال: إن كلمة الغائظ من قوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ٢ قد أصابها الزمن، فجعلها مما تنفر النفس من استعمالها، ولكنا إذا تأملنا الموقف، وأنه موقف تشريع وترتيب أحكام، وجدنا أن القرآن عبر أكرم تعبير عن المعنى، وصاغه في كتابة بارعة، فمعنى الغائط في اللغة المكان المنخفض، وكان يمضون إليك في تلك الحالة، فتأمل أي كناية تستطيع استخدامها مكان هذه الكتابة القرآنية البارعة، وإن شئت أن تتبين ذلك فضع مكانها كلمة تبرزتم، أو تبولتم، لترى ما يثور في النفس من صور ترسمها هاتان الكلمتان، ومن ذلك كله ترى كيف كان موقع هذه الكناية


١ الإتقان ج٢ ص١٢٥.
٢ سورة المائدة آية ٦.

<<  <   >  >>