وقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته رصيدا هائلا، يمكِّنهم من نشر الدين، وتبليغه إلى العالم، والتعامل مع كل إنسان بواقعه ولغته؛ لأن هذا الرصيد كما يقدم موضوعه يقدم معه الأسلوب الأمثل والطريق السديد.
وقد أعانني الله تعالى فكتبت في تاريخ دعوة الرسل -عليهم السلام- وفيه حاولت إبراز منهجهم في الحركة بالدعوة، وتوضيح أهم الركائز المستفادة من تاريخهم، من أجل أن تكون أسسا للدعاة إلى الله من بعدهم وإلى يوم القيامة.
وأصبحتُ أمام الدعوة المحمدية لأكتب بعون الله فيها، ورأيتُ ضرورة اتباع المنهج الذي اتبعته مع تاريخ الرسل؛ حيث الأسس التالية:
أولا: التعريف بقوم الرسول، من ناحية: موطنهم وحضارتهم، وأديانهم، ومستواهم الفكري؛ لأن هذا يساعد على اكتشاف الجوانب الفنية التي واجه بها الرسول قومه منهجا وأسلوبا، وحتى يتمكن دعاة العصر من الاستفادة بهذه الناحية؛ كاختيار الموضوع المناسب، والطريقة اللائقة، والأسلوب المفيد ... وهكذا.
ثانيا: التعريف بالرسول نفسه، من ناحية: أصله ونشأته، ورحلاته، وكافة المؤثرات في شخصيته، وصفاته، وكلها عوامل نجاح في تكوين الدعاة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قائدهم ورائدهم، يقول تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ١.
ثالثا: تتبع حركة الرسول بالدعوة، وإبراز كيفية مواجهته للناس على اختلافهم، فمنهم الملأ، ومنهم الضعفاء، منهم السادة، ومنهم العبيد، وبذلك دعا الرسول قومه جميعا، ووصل إلى عقولهم، وناقش حججهم، وهدم ضلالهم، وبذلك ظهرت منهجية الدعوة، والطريقة المثلى للحركة بها مع الطوائف المختلفة وأصحاب المذاهب والملل المحرَّفة.