للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصل واحد والتفرق للتعارف، والكريم هو التقي، والذي يحكم بالدرجة الصادقة هو الله العليم الخبير، أما هذا الذي يتعالى حتى ولو بتقواه فلا يعتد به؛ لأنه زكى نفسه مخالفا أمر الله القائل: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ١.

والداعية الذي جعل همه الدعوة إلى الله، يجد نفسه ملتزما بالتواضع؛ ليتمكن من التماس طريق الله الذي دعا إليه عباده الصالحين؛ ليتحقق له كل ما وعد الله به، من تمتع كامل بالدنيا، ومن تمتع عظيم بالآخرة، فإن الواقع أن: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ٢.

والتواضع يمكن صاحبه من الاستفادة بكل آيات الذكر والكون؛ لأنها لن تصرفه عن فهمه لتواضعه، كوعد الله القائل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ٣، فبين أن عقول المتكبرين وحدهم هي التي لا تفهم ولا تعي، فيجادلون في الحق بعد تبينه، ومهما عرضت لهم الآيات الواضحات -كونية أو قولية- لا يرونها، ذلك حالهم، وحال المتكبرين دائما {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، وإنما فقدوا كل هذا لأنهم بالتكبر بعدوا عن رحمة الله وحبه {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} وبفقدهم هذا الحب لا يجدون أي حب من الناس؛ لأن الملائكة تنادي أرواح البشر: أن الله يبغض فلانا فأبغضوه، وسيجدون أنفسهم بعد ذلك في عزلة من الناس، وهذا مما لا يرضاه داعية لنفسه.

فعلى الداعية أن يلتزم التواضع ليقرب من الناس؛ لأن دعوته في حاجة إلى صلة مستمرة بهم، وعليه أن يكون قريبا إلى قلوبهم وأرواحهم، والتواضع هو ضمان ذلك كما بينته الحقائق الدينية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا على نفسه، وتوجيها لمن بعده


١ سورة النجم الآية ٣٢.
٢ سورة القصص الآية ٨٣.
٣ سورة الأعراف الآية ١٤٦.

<<  <   >  >>