ومن التغييرات التي يمكن أن تحدث بعد أي صراع ظهور قُوَى جديدة، وبروز أفراد يقابلون المخاطر بفهم وشجاعة، كما أن التفتح الذهني يجعل المتصارعين لا يتعصبون لشيء معين، ويبحثون عن أية قيمة إنسانية تخلصهم من هذا الصراع، فإن الطبقة المستضعفة تتمنى الخلاص والهروب مما هي فيه.
وقد استفادت الدعوة الإسلامية من كل هذا؛ لأن القوى الجديدة التي ظهرت كانت ركيزة لانطلاق الدعوة ونشرها، وكان أتباع الدعوة الأول من هذه الفئات الجديدة التي لا تتعصب لمواريث قديمة.
وأيضا فإن الانفتاح الذهني وذوبان التعصب الأعمى يفيدان الدعوة في كثير، فبالذهن الصافي تفهم التعاليم والأفكار، وبذوبان التعصب تتخلص الدعوة من عدو بغيض يقف في طريقها.
إن فكرة البحث عن قيمة راقية، وخلاص للضعفاء، وجدا في الدعوة بغيتهما، فكان الضعفاء هم أتباع الدعوة في العرب وفي كل مكان؛ لأنهم بها يتخلصون من مهانة الرق، وذل الطبقية، وضعة المنبوذين، وبها كذلك لا يتجهون بالتعظيم والتقديس إلى شخص ما، لا ينالهم منه سوى الظلم والجبروت والتعالي، وإنما يتجهون إلى الله الخالق، صاحب النعم كلها، الذي يملك الخلق كله، ويحيط به علما، وإرادة، وقدرة، ويوزع رحمته على جميع الناس، ويأمر في الدعوة بالقيم الراقية، والسلوك الممتاز، ويحث على إقامة أخوة صادقة، ومساواة حقيقية، وعدل في الكسب والعمل.
إن وضعية الضعفاء تتفق لأول وهلة مع روح الدعوة ومبادئها، والمتصارعون يجدون بغيتهم في الدعوة؛ لأنها تهدم سبب صراعهم، وتؤاخي بينهم بالحسنى، وتعوِّدهم على الألفة والخير.
إن صراعات هذا الزمن تميزت عن كل ما سبقها بالشمول والعمق؛ حيث اتنشرت في العالم كله، بشكل مستمر، ومتجدد، كما أنها لامست سائر حياة الناس