للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- إن الإدراك الانتقائي للخبرات الذاتية ينتج عنه عدم تطابق "عدم انسجام"١ بين الذات والخبرة؛ لأن بعض الخبرات التي قد تكون مساعدة على النمو الإيجابي قد تحذف أو تستبعد من الوعي. ومتى حدث عدم الانسجام بين الذات والخبرة, فإن الفرد يصبح مستهدفا للمرض النفسي وينشأ لديه عدم التوافق.

ويرى روجرز أن عدم الانسجام هو السبب في كل مشكلات التوافق لدى البشر، ومن ثَمَّ فإنه يترتب على وجهة نظرة هذه أن إزالة عدم الانسجام سوف يترتب عليها حل كل المشكلات، فيقول في هذا الصدد:

"إن عدم الانسجام -كما رأيناه- هو الاغتراب الأساسي في الإنسان. إنه لم يكن صادقا مع نفسه ولا مع طبيعته الخاصة في الحكم على الخبرة، وإنما كان يحاول من أجل المحافظة على الاعتبار "التقدير الإيجابي" من جانب الآخرين؛ وبالتالي فهو يخطئ أو يشك في بعض القيم التي يخبرها ويدركها فقط من صورة قائمة على أساس من قيمتها للآخرين، ولم يكن ذلك اختيارا واعيا وإنما كان نتيجة لنمو مأسوي في الطفولة" "١٩٥٩، ص٢٢٦، ٢٢٧".

وعندما يوجد عدم الانسجام بين الذات والخبرة، فإن الشخص يكون -بالتعريف- غير متوافق MaladJusted ويكون معرضا للقلق والتهديد، ومن ثم فإنه يسلك سلوكا دفاعيا Defensive، وينشأ القلق عندما يستشعر الفرد الخبرة على أنها غير متسقة مع بنية الذات لديه وشروط الأهمية المستدمجة داخلة، أي: إن الفرد يعايش القلق عندما يواجه حدثا يهدد بنية ذاته القائمة فعلا. ونلاحظ أن روجرز قد استخدم تعبير يستشعر Subceive بدلا من اصطلاح يدرك Perceive.

والاستشعار هو اكتشاف خبرة ما قبل دخولها إلى الوعي الكامل، وبهذه الطريقة فإن الحادث الذي يحمل في طيّاته تهديدا "غير ظاهر" يمكن أن يستبعد أو يحرّف "يشوه" قبل أن يسبب القلق. ويرى روجرز أن عملية الدفاع Defense تتكون من تصحيح الخبرات عن طريق حيل الإنكار Denial والتحريف Distortion للمحافظة عليها في انسجام مع بنية الذات. ومن المهم أن نلاحظ أن الخبرة لا تنكر أو تحرف في رأي روجرز؛ لأنها تمثل خطيئة أو لأنها مضادة لمعايير المجتمع كما في نظرية التحليل النفسي، وإنما يتم استبعادها من الترميز في الوعي لأنها تتعارض مع بنية الذات، وعلى سبيل المثال لو كانت شروط الأهمية المستدمجة في ذات الفرد تتضمن كونه طالبا ضعيف التحصيل، فإن حصوله على درجة عالية في الامتحان قد يصبح خبرة مهددة؛ ولذلك فإنها تحرف أو تستبعد من الترميز في الوعي، وربما نسمع من هذا الشخص قوله على سبيل المثال: إنه فقط كان محظوظا, أو إن المدرس قد أخطأ في التصحيح أو كتابة الدرجة. ويرى روجرز أن كل الأشخاص يمرون بعدم التطابق "عدم الانسجام"، ومن ثم فإنهم يدافعون ضد بعض الخبرات عند ترميزها في الوعي. وتحدث مشكلات عدم الانسجام فقط عندما تكون درجة عدم الانسجام شديدة، وبذلك فإن أي خبرة يمر بها الفرد يمكن أن تلقى واحدا من المصائر الآتية:

١- يمكن أن ترمز بدقة في الوعي.

٢- يمكن أن تحرف "تشوه" بحيث لا تصبح مهددة لبنية الذات بعد ذلك.

٣- يمكن أن تستبعد من الترميز.

فإذا حدثت الحالتان ٢، ٣ فإن عدم الانسجام يكون هو النتيجة، وإذا كان عدم الانسجام شديدا فإن النتيجة هي عدم التوافق النفسي.


١ يشكر المؤلف الأستاذ الدكتور سيد أحمد عثمان أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة عين شمس, على توجيهه السديد لبعض المصطلحات, ومنها هذا المصطلح.

<<  <   >  >>