إنسانا له كرامة بمنأى عن محتوى سلوك أو أفكار هذا المسترشد، إن اتجاه التقبل من جانب المرشد يوصل إلى المسترشد الاحترام باعتباره شخصا له كرامة وقيمة، وبذلك فإن المسترشد يشعر بأن هناك من يفهمه، ويعطيه قيمة بشكل حقيقي.
لقد رأينا من قبل في حديث الشاب الذي جاء يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له في الزنا، كيف عالج الرسول المعلم هذا الموقف في رفق، وكيف قرب الشاب من مجلسه ثم بدأ يناقشه مناقشة عقلية تصويرية، وانتهى من هذا الموقف إلى أن يمسح على صدره بيده الشريفة، وأن يدعو له.
وفي موقف آخر حين جاء رجل، وتبول في جانب من المسجد، وهم الناس أن يؤذوه فقال -صلى الله عليه وسلم:"دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" ١.
إن التقبل قاعدة أساسية من شأنها أن تولد الثقة من جانب المسترشد في المرشد حين يلمس أنه لم يعاقبه ولم يؤنبه، وإنما أصغى إليه ثم بدأ في مناقشته في رفق وهدوء، وكلا الجانبين من شأنهما أن يهيئا مناخا لعلاقة إرشادية ذات قيمة في معالجة السلوك؛ لأنها ستجعل المسترشد يستجيب لمبادرات، وينهض بإجراءات تساعد على مواجهة المشكلات.
ويجب أنننبه إلى أن التقبل لا يعني الموافقة، والإقرار بسلوك المسترشد، وإنما التقبل يعني تقبل الإنسان باعتباره إنسانا عرضة للصواب وعرضة للخطأ، وأنه جاء إلى موقف الإرشاد بحثا عن الصواب، وأنه يعاني من الرفض بشكل ما، سواء كان هذا الرفض من داخله أو من خارجه، فإذا ما واجهه المرشد بالرفض أيضا، فليس هناك مجال للإرشاد، إن تقبل المرشد للمسترشد هو الذي يضفي صفة الأمن على العلاقة الإرشادية، وهي صفة يحتاجها المسترشد ليدرك أين هو انفعاليا وعقليا وسلوكيا، وماذا ينبغي أن يكون عليه، وكيف السبيل إلى ذلك.