" ولأجل هذا نقبل عدة من كتب التواريخ من حيث إننا ننظر أن مؤلفيها مع أنا نجهل أسماءهم، قد عاشوا في ذلك الزمان، وشاهدوا الأمور التي أتوا بذكرها في كتابهم، وكذلك إن الذين ألفوا الكتب التي نتكلم عنها ادعوا لأنفسهم أنهم عاشوا في الأزمنة الأولى، وأنهم منحوا من الله المواهب الرسولية، فيجب أن يقتنع بهذا " انتهى.
وله في الاحتجاج على صحة كتبهم من هذا النمط من الحجج الواهية ما يكفي سماعه عن الاشتغال برده. وهو من أكبر الحجج عليهم في ضد ما قصدوه، وقد نبهنا على مقاصدها في هذا الفصل بما فيه مقنع لذوي الألباب.
والمقصود من هذا كله أن كتب اليهود والنصارى وما عندهم من العلم قد اختلط فيه الحق بالباطل، والصدق بالكذب فلا نقبل منه إلا ما وافق الحق الذي بأيدينا عمن شهدت بصدقه المعجزات، والأدلة القاطعات، فما وافقه فهو الحق، وما خالفه فهو الباطل، وما أخبروا به مما لم يشهد له بصدق ولا كذب فهذا لا يقدم على تكذيبه؛ لأنه قد يكون حقا، ولا على تصديقه؛ فلعله يكون باطلا، ولكن يؤمن به إيمانا مجملا معلقا على شرط، وهو أن يكون منزلا لا مبدلا.
وقد أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة قال: " «كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل»