ولعل تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادة بنبوة عيسى، لأن الأمة الغضبية قد مزقها الله كل ممزق، وقطعها في الأرض، وسلبها ملكها وعزها، فلا عيش لها إلا تحت قهر سواها من الأمم لها.
بخلاف أمة عيسى - عليه السلام - فإنها قد انتشرت في الأرض، وفيهم الملوك، ولهم الممالك.
وأما الحنفاء فممالكهم قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها وملؤوا الدنيا سهلا وجبلا، فكيف يكون نقلهم لما نقلوه كذبا، ونقل الأمة الغضبية الجاهلية القليلة الذليلة صدقا؟ !.
فثبت أنه لا يمكن يهوديا على وجه الأرض يصدق بنبوة موسى إلا بتصديقه وإقراره بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن نصرانيا ألبتة الإيمان بالمسيح إلا بعد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ولا ينفع هاتين الأمتين شهادة المسلمين بنبوة موسى والمسيح لأنهم إنما آمنوا بهما على يد محمد صلى الله عليه وسلم.
فكان إيمانهم بهما من الإيمان بمحمد وما جاء به، فلولاه ما عرفنا نبوتهما ولا آمنا بهما.
ولا سيما فإن أمة الغضب والضلال ليس بأيديهم عن أنبيائهم ما يوجب الإيمان بهم، فلولا القرآن ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ما عرفنا شيئا من آيات الأنبياء المتقدمين؛ فمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابه هو الذي قرر نبوة موسى ونبوة المسيح، لا اليهود والنصارى.