ولهذا قال بعض ملوك الهند وقد ذكرت له الملل الثلاث، فقال: أما النصارى فإن كان محاربوهم من أهل الملل يحاربونهم بحكم شرعي، فإني أرى ذلك بحكم عقلي، وإن كنا لا نرى بحكم عقولنا قتالا. ولكن أستثني هؤلاء القوم من بين جميع العوالم، لأنهم قصدوا مضادة العقل، وناصبوه العداوة، وحلوا ببيت الاستحالات، وحادوا عن المسلك الذي انتهجه غيرهم من أهل الشرائع، فشذوا عن جميع مناهج العالم الصالحة العقلية والشرعية، واعتقدوا كل مستحيل ممكنا، وبنوا على ذلك شريعة لا تؤدي ألبتة إلى صلاح نوع من أنواع العالم، إلا أنها تصير العاقل إذا تشرع بها أخرقا، والرشيد سفيها، والمحسن مسيئا، لأن من كان أصل عقيدته التي نشأ عليها الإساءة إلى الخالق والنيل منه، ووصفه بضد صفاته الحسنى، فأخلق به أن يستسهل الإساءة إلى المخلوق، مع ما بلغنا عنهم من الجهل وضعف العقل وقلة الحياء وخساسة المهمة.
هذا وقد ظهر له من باطلهم وضلالهم غيض من فيض، وكانوا إذ ذاك أقرب عهدا بالنبوة.