فلما انتصر البطريق، قال للملك: استحضر البطارقة والأساقفة حتى يكون لنا مجمع، ونضع قصة نشرح فيها الدين، ونوضحه للناس، فحشرهم قسطنطين من سائر الآفاق، فاجتمع عنده بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفا، وكانوا مختلفي الآراء متباينين في أديانهم.
فلما اجتمعوا كثر اللغط بينهم، وارتفعت الأصوات، وعظم الاختلاف، فتعجب الملك من شدة اختلافهم، فأجرى عليهم الأنزال، وأمرهم أن يتناظروا حتى يعلم الدين الصحيح مع من منهم، فطالت المناظرة بينهم، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا على رأي واحد، فناظروا بقية الأساقفة، وظهروا عليهم.
فعقد الملك لهؤلاء الثلاثمائة مجلسا خاصا، وجلس في وسطه، وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه، ودفعه إليهم، وقال لهم:(قد سلطتكم على المملكة، فاصنعوا ما بدا لكم مما فيه قوام دينكم، وصلاح أمتكم) .
فباركوا عليه، وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية وذد عنه. ودفعوا إليه الأمانة التي اتفقوا على وضعها، فلا يكون عندهم نصرانيا من لم يقر بها، ولا يتم له قربان إلا بها.