" فصل في تمييز الأسباب التي بواسطتها انتشرت كلتا الشريعتين، قد قلنا في شأن الشريعة المسيحية: إنها انتشرت بواسطة الآيات والمعجزات التي صدرت، لا عن المسيح وحده، بل وعن تلاميذه، وبواسطة الصبر على الشدائد وأنواع العذاب في طاعة الله. أما الذين نشروا دين محمد فإنهم لم يظهروا شيئا من المعجزات، ولم يقاسوا شيئا من البلايا الشديدة، ولا من أنواع القتل الشنيعة من أجل اعتقادهم، بل تبعت الشريعة حيث سهل السيف طريقها قدامها، فإنها متعلقة بالكلية بالسيف والقتال ".
الجواب - والله الموفق -:
هذا الكلام يدل إما على الجهل المفرط، وإما على العناد والمكابرة في إنكار ما استفاضت به الأخبار، وتضمنته كتب السيرة، وتلقاه الخلف عن السلف من شدة ما عاناه المؤمنون من أذى المشركين، إذ كانوا بمكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قاسوه من الضيق والبلاء، تارة بالضرب الشديد، وتارة بالقتل الشنيع، وتارة بالحصار وقطع الميرة عنهم، وعدم اتصال أحد بنافعة إليهم، إلى غير ذلك من إخراجهم من ديارهم وإزعاجهم من أوطانهم.
وهم في كل ذلك صابرون على دينهم متابعون نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لا يبالون بما أصابهم في ذات الله.