وأيضا فالأصل الذي اتفقت عليه شرائع الأنبياء، ودعا إليه جميع الرسل هو: إخلاص العبودية لله - تعالى - وخلع الأنداد التي تعبد من دونه.
ولا ريب أن الذي جاءت به شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - في تشييد هذا المقام وحماية هذا الباب أعظم مما جاء به غيره، فإنه قد جاء من تحقيق التوحيد، وسد طرق الشرك، والتحذير من دقيقه وجليله، وظاهره وخفيه، ما فضلت به شريعته على سائر الشرائع.
كما جاء في الخبر عن الله، وعن اليوم الآخر، وتقرير نبوة الأنبياء، وتصديق ما تضمنته التوراة والإنجيل مع زيادة البيان والتفصيل مما تضمنه القرآن وحكمة الرسول ما حصل به للمؤمنين من العلوم النافعة ما فاقوا به على جميع الأمم.
فأي معنى يليق ببعثة الرسول أعظم من هذا؟
وأيضا فقد قدمنا في المقام الأول بيان اعتراف النصراني بخفاء الحق وظهور الضلال قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - بما يكفي في إبطال كلامه ههنا، ويعلم به أن الخلق محتاجون إلى بعثته - صلى الله عليه وسلم - أعظم من كل حاجة، ومضطرون إليه غاية الضرورة.
كما قال الله - تعالى -: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .