وأما كتابنا الذي تكفل الله بحفظه بقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، فلم يقع فيه زيادة ولا نقص، ولم يختلط كتاب الله بغيره بما قيض الله له من أسباب الحفظ على أيدي نقلته العلماء الأبرار والأتقياء الأخيار؛ فقد كان من تمام اعتنائهم بحفظه أنهم تركوا تدوين أحاديث السنة وكتابتها حذر اختلاط شيء منها بالقرآن حتى انقرض العصر الأول وأمن هذا المحذور.
وإذا أردت أن تعلم سخافة علم النصارى وقلة معرفتهم، فانظر إلى ما أورده هذا النصراني من الانتصار لصحة كتبهم كقوله عند ذكر قتل المسيح وصلبه:" وحيث إنا نصدق المؤرخين فيما أخبروا به عن الأمور التي جرت في زمان طويل قبل ميلادهم معتمدين على اجتهادهم في البحث عنها؛ فبالحري أن يصدق هذا الذي يدعي أنه أخذ جميع ما قال من الذين شاهدوه عيانا ". انتهى.
فانظر إلى سخافة هذا الانتصار لتصحيح الكتب التي جعلوها عمدة للدين أن جعلها أسوة كتب المؤرخين التي يكتب مؤلفوها ما سمعوه من صحيح وسقيم!، فإن العلم الحاصل بذلك لا يفيد يقينا، وإنما يقبل من المؤرخين ما أخبروا به لكون ذلك لا يتعلق به حكم ديني، فتتلقى عنهم تلك الكتب للاطلاع على أحوال الزمان، لا لإثبات قواعد الدين وتصحيح عقائد الملة وأحكام الشريعة.
وبمثل هذه الحجة الواهية احتج على قبول الكتب التي هي من أناجيلهم لم تنسب إلى شخص معين حين قال: