فهذا من أكبر الأدلة على أن ما جاء به ليس من عند البشر، ولا في قدرتهم فهو برهان أبين من الشمس، فقد تضمن ما جاء به تصديق من تقدمه، وتصديق من تقدمت البشارة به، فتطابقت حجج الله به وبيناته على أيد أنبيائه ورسله، وانقطعت المعذرة، وثبت الحق، وقامت الحجة، فلم يبق إلا العناد المحض، والإعراض والصد.
وأما مخالفة القرآن بعض ما تضمنته بعض تلك الكتب فهو غير قادح في الدليل، فإنه لما جاء القرآن بما فيها من أصول دين الأنبياء والشرائع الكلية، وغير ذلك من سائر ما تضمنته من حجج الله وبيناته كان ذلك دليلا على وقوع التغيير فيها والتبديل، وعلمنا قطعا أن ذلك واقع في الجزء الذي خالف ما جاء به القرآن، إما بزيادة ونقصان في الألفاظ، وإما بتحريف التأويل وإخراج اللفظ عن مدلوله: إما في أصل لفظ لغة ذلك الكتاب، أو في الترجمة باللغة التي نقل إليها. فالقرآن هو المهيمن على تلك الكتب الشاهد بصدقها وكذب ما حرف فيها.
الوجه العاشر:
أن أهل الكتاب قد مزجوا أخبارهم بكتب أنبيائهم، كما هو مشاهد في الإنجيل الذي بيد النصارى، كقصة اليهود مع المسيح، وما زعمه النصارى من قتله وصلبه ودفنه، ثم قيامه من بين الأموات وغير ذلك من الأخبار التي إنما هي محكية عن تلاميذ عيسى وأتباعه، وقد خلطوها مع كتاب الله من غير تمييز بين ما هو عن الأنبياء - عليهم السلام -، وبين غيره.