حيث أخبر بما أخبر به من غير مواطأة ولا تساعد ولا تلقي عمن أخذ عنه، ويكون ذلك دليلا على صدق الرسول الأول أيضا.
ونظير هذا أن يشهد رجل بشهادة فيخبر فيها بما يقطع معه بأنه صادق في شهادته صدقا لا تتطرق إليه شبهة، فيجيء آخر من بلاد أخرى لم يجتمع بالأول ولم يتواطأ معه، فيخبر بمثل تلك الشهادة سواء، مع القطع بأنه لم يجتمع به ولا تلقاها من أحد اجتمع به.
فهذا يكفي في صدقه إذا تجرد الإخبار، فكيف إذا اقترن بأدلة قطع بها بأنه صادق أعظم من الدلالة التي اقترنت بخبر الأول، فكيف إذا بشر به الأول، فكيف إذا اقترن بالثاني من البراهين الدالة على صدقه نظير ما اقترن بالأول وأقوى منها؟
وكثيرا ما يتكرر هذا المعنى في القرآن، إذ في ضمنه الاحتجاج على أهل الكتابين على صحة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا الطريق.
وهو حجة -أيضا- على غيرهم بطريق اللزوم، لأنه لما جاء بمثل ما جاءوا به من غير أن يتعلم منهم حرفا واحدا دل على أنه من عند الله، وحتى لو أنكروا رسالة من تقدم لكان في مجيئه بمثل ما جاءوا به إثبات لرسالته ورسالة من تقدمه، ودليل على صحة الكتابين، وصدق الرسولين، لا سيما والكتاب الثاني جاء على يد أمي لم يقرأ كتابا، ولا خطه بيمينه، ولا عاشر أحدا من أهل الكتاب، بل نشأ بين قوم أميين يشاهدون حاله حضرا وسفرا وإقامة.