بل كان نفس ظهوره ومجيئه تصديقا لنبوتهما؛ فإنهما أخبرا به، وبشرا بظهوره. فلما بعث كان بعثه تصديقا لهما، وهذا أحد المعنيين في قوله - تعالى -: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} . أي: مجيؤه تصديق لهم من جهتين:
من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه.
ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروا به ومطابقة ما جاء به لما جاءوا به.
فإن الرسول الأول إذا أتى بأمر لا يعلم إلا بالوحي، ثم جاء نبي آخر لم يقارنه في الزمان ولا المكان ولا تلقى عنه، بمثل ما جاء به سواء، دل ذلك على صدق الرسولين الأول والآخر.
وكان ذلك بمنزلة رجلين أخبر أحدهما بخبر عن عيان، ثم جاء آخر من غير بلده وناحيته بحيث يعلم أنه لم يجتمع به، ولا تلقى عنه، ولا عمن تلقى عنه، فأخبر بمثل ما أخبر به الأول سواء، فإنه يضطر السامع إلى تصديق الأول والثاني.
فالمعنى أنه لم يأت مكذبا لمن قبله من الأنبياء مزريا عليهم، كما يفعل الملوك المتغلبة على الناس بمن تقدمهم من الملوك. بل جاء مصدقا لهم شاهدا بنبوتهم.
ولو كان كاذبا متقولا منشئا من عنده شيئا مما جاء به لم يصدق من قبله، بل كان يزري بهم، ويطعن عليهم كما يفعل أعداء الأنبياء ". انتهى.