فأرسل -تبارك وتعالى- الرسل في بني آدم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، كلما درست رسالة رسول وخفيت آثارها بعث رسولا بتجديد الرسالة وإقامة الحجة، إلى أن وصلت النبوة إلى بني إسرائيل، فبعث الله فيهم عبده ورسوله الكريم ونجيه المقرب الكليم موسى بن عمران -عليه الصلاة والتسليم-، وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، فساسهم موسى -عليه السلام- بسياسة النبوة، وشرع لهم شرائع الدين، وحد لهم حدوده.
ثم كانت فيهم الأنبياء بعده تسوسهم بأحكام التوراة وشريعة موسى، ثم حدثت فيهم الأحداث، وتفرقوا في الدين، واتبعوا الأهواء، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، وأفسدوا في الأرض، وتعدوا حدود الله، وغيروا دينه، وقتلوا أنبياءه، فسلط عليهم الأعداء مرة بعد أخرى، فجاسوا خلال ديارهم، وتبروا ما علوا تتبيرا.
وفي كل ذلك يبعث الله فيهم الأنبياء ويجدون لهم ما درس من الدين ويقيمون ما غيروا، إلى أن كان آخر أنبيائهم عبد الله ورسوله وكلمته عيسى ابن مريم -عليهما السلام-، فجدد لهم الدين، وبين معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده والتبري من الأحداث والآراء