إذا عرف ذلك فهو من أوضح الأدلة وأكبر الحجج على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم -، لأنهم ما كانوا يستفتحون به إلا لما يعلمون من نعته وصفاته وزمانه، فلما ظهر -صلى الله عليه وسلم- كفروا به حسدا وبغيا، وجحدوا نبوته.
ولا ريب أن استفتاحهم به وجحد نبوته لا يجتمعان، فإن كان استفتاحهم به؛ لأنه نبي كان جحد نبوته محالا، وإن كان جحد نبوته - كما يزعمون - حقا كان استفتاحهم به باطلا.
وهذا مما لا جواب لأعداء الله عنه البتة، سوى أن يقولوا: إن هذا الموجود ليس بالذي كنا نستفتح به. وهذا من أعظم الجحد والعناد، فإن الصفات والعلامات التي فيه طابقت ما كان عندهم مطابقة المعلوم لعلمه، فإنكارهم أن يكون هو هذا جحد باللسان مع أن القلب يعرفه معرفة تامة.
ولهذا قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .