ففي هذه الآية أربع حجج تدل على استحالة نسبة الولد إليه، ومنافاتها كماله المقدس.
الحجة الأولى:
ما تضمنه قوله:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وتقدم تقريرها قريبا.
الثانية:
قوله:{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} ، والمعنى أنه يلزم من نسبة الولد إليه نسبة الصاحبة إليه -أيضا-، وهو محال؛ فنسبة الولد كذلك.
ووجه التلازم ظاهر؛ لأن الولد إنما يتولد من أصلين: فاعل، ومحل قابل، يتصلان اتصالا خاصا، فينفصل عن أحدهما جزء في الآخر يكون منه الولد. والله -تعالى- ليس له صاحبة، فكيف يكون له ولد؟
قال ابن القيم: ولذلك لما فهم عوام النصارى أن الابن يستلزم الصاحبة لم يستنكفوا من دعوى كون مريم إلها، وأنها والدة الإله عيسى، فيقول عوامهم: يا والدة الإله، اغفري لي، ويصرح بعضهم بأنها زوجة الرب. ولا ريب أن القول بالإيلاد يستلزم ذلك إثبات إيلاد لا يعقل، ولا يتوهم محال.
فخواص النصارى في حيرة وضلال، وعوامهم لا يستنكفون أن يقولوا بالزوجة والإيلاد، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.