قال ابن إسحاق: وكان من دين النصرانية على دين الملك مع الاختلاف من أمرهم: يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، وكذلك قول النصرانية. فهم يحتجون في قولهم: هو الله بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرا، وذلك كله بأمر الله - تبارك وتعالى -، وليجعله آية للناس.
ويحتجون في قولهم: إنه ولد الله بأنهم يقولون: إنه لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد، وهذا شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله.
ويحتجون في قولهم: إنه ثالث ثلاثة بقول الله: فعلنا، وأمرنا وقضينا، فيقولون: لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت. ولكنه هو عيسى ومريم. ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.
«فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أسلما، قالا: قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلما، قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهما، فلم يجبهما. فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها» .