وأما ما عداه فإنه ممكن الوجود لذاته، حدث بتخليق الحي القيوم وإيجاده وتكوينه، وما كان محدثا مخلوقا لا يكون إلها.
وأيضا فنسبة الولد إليه تنافي كمال حياته وقيوميته، وذلك لأن الولد جزء الوالد، وفرع عنه، والولد حادث بعد أن لم يكن، لأنه -بالضرورة- لا بد أن يكون مسبوقا بالأب، فيلزم من ذلك حدوث الأب -أيضا- بالضرورة، للارتباط الذي بين الأب والابن من المشابهة، وهذا هو التعطيل الصرف، فثبت أن دعوى الولد لله تنافي ربوبيته للعالمين.
وأيضا لما ثبت أن الإله يجب أن يكون حيا قيوما، وثبت أن عيسى لم يكن حيا قيوما، لأنه ولد، وكان يأكل، ويشرب، ويحدث، والنصارى زعموا أنه قتل وصلب، وما قدر على الدفع عن نفسه، فثبت أنه ما كان حيا قيوما، وذلك يقتضي القطع والجزم بأنه ما كان إلها.
فهذه الكلمة، وهي قوله -تعالى-: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} جامعة لجميع وجوه الدلائل على بطلان قول النصارى بالتثليث.
وأما الأصل الثاني: وهو إثبات النبوة، فقد ذكر الله -تعالى- تقريره هاهنا في غاية الحسن ونهاية الجودة، وذلك أنه قال:{أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} ، وهذا يجري مجرى الدعوى، ثم إنه -تعالى- أتبع ذلك بأدلة تدل على صحتها.