ذلك المقام الذي سمع فيه صريف الأقلام، وفرضت عليه هناك الصلوات، وخلعت عليه خلع الكرامات.
وهذه فضيلة لم تجئ لأحد من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-. وأيضا فلو لم تجئ هذه الفضيلة لنبينا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن عدمها دالا على تفضيل عيسى -عليه السلام- عليه، لأن لنبينا -صلى الله عليه وسلم- من الفضائل والخصائص ما هو مقتضى سيادته لولد آدم، فتخصيص المفضول بخصيصة ليست للفاضل أمر معلوم، كما خص داود -عليه السلام- بإلانة الحديد، وتأويب الجبال والطير معه، وسليمان بتسخير الجن والشياطين، وتسخير الريح، غدوها شهر، ورواحها شهر، والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، وكرفع إدريس -عليه السلام- إلى السماء. وأمثال ذلك، وكل هذا لا يدل على تفضيل هؤلاء الأنبياء -عليهم السلام- على الخمسة أولي العزم الذين هم أفضل الرسل، وإن لم تكن لهم تلك الخصائص، فإن الذي أوتوه من الفضائل والخصائص من وجوه أخر أعظم وأفضل.
وقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«وأعطيت خمسا لم يعطهن أحد من قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد من قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا»