وقد قدمنا أنه بلغ مبلغ التواتر الذي لا يشك فيه، وإن أنكره أهل الكفر والعناد.
وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا لنقل متواترا، واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص به أهل مكة، لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعي متوافرة على رواية كل غريب، ونقل ما لم يعهد. ولو كان لذلك أصل لخلد في كتب السير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على تركه، وإغفاله، مع جلالة شأنه ووضوح أمره.
فأجاب عنه الخطابي وغيره بأن هذه القصة خرجت عن الأمور التي ذكروها، لأنه شيء طلبه خاص من الناس، فوقع ليلا، لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون الناس فسه نياما ومستكنين في الأبنية، والبارز منهم بالصحراء - إن كان يقظانا - يحتمل أنه اتفق أنه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره.
ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراكز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه، فيجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه، ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر.
وقد يكون القمر حينئذ في بعض المنازل التي يظهر لبعض الآفاق