ثم استمرت آياته ومعجزاته بعد وفاته، وعلى مر السنين وتعاقب الدهور من وقوع ما أخبر به من الغيوب ومن ظهور دينه على الدين كله، واقتران العز والظهور بطاعته واتباع شريعته، والذل والصغار بإضاعة أمره ومخالفته، مما يبين ذلك للمتوسمين في عموم الناس، وفي خاصة أنفسهم.
وأكبر ذلك وأعظمه معجزة القرآن المستمرة على مر السنين، وبقاؤه محفوظا كما أنزل غضا طريا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
قال بعض أئمتنا:
ومما ينبغي أن يعلم أن الله إذا أرسل نبيا، وأتى بآية دالة على صدقه، قامت بها الحجة وظهرت بها المحجة، فمن طالب بآية ثانية لم تجب إجابته، بل وقد لا تنبغي، لأنه إذا جاء بثانية طولب بثالثة، فإذا جاء بها طولب برابعة، وطلب المتعنتين لا أمد له.
ومعلوم أن من قامت عليه الحجة في مسألة أو في حق من حقوق العباد التي يتخاصمون فيها، لو قال: أنا لا أقبل حتى تقوم علي حجة ثانية وثالثة، كان ظالما، ولم تجب إجابته، ولا يمكن الحكام الخصوم من ذلك، فحق الله الذي أوجب على عباده من توحيده والإيمان به وبرسله أولى.